خلال هذه الفترة أصبحت مشدودةً أكثر إلى مواقع التواصل الإجتماعي، من خلف شاشة هاتفي أتابع بنهمٍ وشغفٍ كل ما يحدث ويدور في المسجد الأقصى وفلسطين والتي بدأت بالدفاع عن حيّ الشيخ جرّاح. غبتُ عن واقعي وانتقلتُ للعيش في تلك الأحداث المتسارعة عبر شاشة هاتفي، وفي قلبي وروحي وفكري … أقاوم معهم.
كنتُ أراني مرابطةً في المسجد الأقصى حيناً، وأحياناً على موائد الإفطار مع النسوة المقدسيات الصامدات، أحياناً كنتُ أشمُّ رائحة الغاز المسيل للدموع والبارود، ويصمُّ أذناي صوت ُالقنابل الصوتية وهمجية أصوات غوغاء المستوطنين والجنود الصهاينة، أحياناً كنت أبكي؛ يتسلل إلى قلبي الضعف، ولكنني كنت أشعر بأيدي المقاومين رجالاً ونساءً تشدُّ على يدي، فأبتسم وتعتريني قوة وعزيمة عارمة استمدها من عيونهم وابتسامتهم، تلك النظرة والابتسامة التي لم تكسرها بندقية الاحتلال وجنوده وكل عتاده وسلاحه.
إنه لا يخفى على أحد أنّ عالمنا أصبح صغيراً ويمكن معاينته من خلف شاشة هاتف، وأصبحنا جميعاً قادرين على متابعة ما يجري في العالم عبر الإعلام البديل الذي توفره منصات التواصل الإجتماعي، وأجزم أننا تابعنا ولا زلنا نتابع ونشاهد ما يحدث في فلسطين وأصبحت الحقيقة التي نعرفها وكنا نتخيّلها تعرض بلا تشويه أو تعديل، وصرنا قادرين على أن نكون أقرب إليهم ومعهم، ليصل صوتهم وصوت القضية إلى أبعد حد.
خُلقنا أحراراً وسنبقى كذلك، وسنبقى في مسار الحرية الذي يخدم الحق، سنستمر في نشر الوعي والتحدث حول الحرية بكل أشكالها، حرية الأفراد وحرية المجتمعات والشعوب بشكل أوسع، نتحدى ونقاوم كل أشكال ومحاولات التعتيم والتشتيت التي تمارسها منظومة الإعلام العالمي، إن لتلك المنظومة أهدافاً خفيةً بعيدة المدى تهدف إلى السيطرة والبرمجة الممنهجة للفكر الإنساني بما يخدم مصالح مشغليها ومالكيها من دولٍ لا زالت تمارس القمع والإستبداد رغم إدعائها بنشر قيم السلام والحرية، قيم تم تفخيخها وتفصيلها على المقاس لتخدم مصالحهم وأطماعهم متجاهلين وغير عابئين بالمجتمعات الأخرى وحياتها وقضاياها.
يقول المفكر والناشط الحقوقي الراحل مالكولم إكس: إنّ وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديهم القدرة على جعل المذنب بريئاً وجعل الأبرياء مذنبين، وهذه هي السلطة لأنها تتحكم في عقول الجماهير، فإذا لم تأخذ حذرك فإنّ الإعلام سيجعلك تكره المظلومين وتحب من يمارس الظلم.
إنّ حالة الوعي التي نشهدها كفيلة بأن تخلق حالة من النهوض لنقول : كفى
كفى من الإنجرار خلفهم وكفى من التصديق بصدق نواياهم نحو سلام وحرية لكل الشعوب، فنحن أقوى من أن نصمت، وأقوى معاً من أن نُكبلَ ونحن في بيوتنا، نحن نملك الكلمة وقوّتها التي نقاوم بها، تلك القوة التي تقود إلى التغيير، فكلُّ فردٍ منا هو جزءٌ من منظومة المقاومة والتغيير، كل فرد هو جزء مهم جداً، الكلمة مهمة جداً، فلا يستخفّ أحد بنفسه ويركن إلى السلبية والإنهزامية مردداً ومن سيسمعني؟ ليس بوسعي فعل شيء! من أنا في هذا العالم حتى أُحدثَ فرقاً؟
بوسعك أن تفعل الكثير ، أنشر الحقيقة ولا تتردد، إدعم الآخرين، شارك وتفاعل، إطّلع على ما يحدث في العالم وشارك برفع الظلم عن المظلومين ولو بكلمة، ستتكاتف الأصوات وتصل أصواتنا إلى العالم ونقف معاً يداً بيد. سنغير ثوابت فرضت علينا وألزمتنا أعواماً من الصمت، سنكشف الحقائق التي طمروها والحقائق التي يحاولون إخفاءها، حتى لو حاولوا تكميمنا وقمعنا وقمع أصواتنا في مواقع التواصل، تلك النافذة التي نتكاتف معاً من خلالها، لن نتوقف؛ فمسارات الحرية رغم وعورتها إلا أنّ نورها أقوى من ظلامهم.
سينتصر الحق ولو بعد حين، نؤمن جميعاً بأن نتيجة مسار الحرية آتٍ لا محالة حتى لو لم نستطع أن نراها الآن، الحرية قادمة ولن تظلّ متوارية، كلُّ شيءٍ سيعود لنوايا الحرية والسلام والعدل الحقيقية وسيتبدد الظلم والظلام.
تكلّم .. تفاعل … شارك …. أحدِثْ تغييراً صغيراً في دائرتك لتَكبُرَ ونكبرَ معاً.