الاحتواء

توقفت كثيراً عند هذه الكلمة التي تحمل معنى واسع جداً، لم أستطع تضييق المعنى وحصره في جملة واحدة فقط، أذكر جيداً أن هذا كان أحد أهم مطالبي في الحب في مراهقتي الأولى .. “أن تحتويني” وإن كنتُ لا أدرك ذلك المعنى حقاً في ذلك السن المبكر، ومن الممكن أنها مشاعر فطرية لدى الأنثى في رغبتها باحتواء الرجل لها

فما هو الاحتواء؟

في علم النفس التحليلي ذُكر الاحتواء على أنه حاجة الانسان لإنسان آخر كي يساعده علی التنفيس عن مشاعره وضبط نفسه … هذه العملية ليست خاصة فقط بالأم والطفل بل هي مستمرة خلال حياة الانسان، وتظهر بشكل خاص عند حاجة الانسان لشخص آخر ليساعده على سبيل المثال في ضائقة يمر بها في لحظة معيّنة

 

الاحتواء في اللغة

الاحتواء في اللغة هو الاحتضان، كاحتواء الطفل وهو احتضانه. و لكن أنا أراه  أكثر من ذلك، أراه كحماية، بأن تشعر بالأمان والطمأنينة وأنت مع الشخص المقابل

 

الاحتواء في العلاقات

في العلاقات بشكل عام يعتبر الاحتواء هو التفاهم والانسجام والاهتمام في جميع جوانب حياة الطرف الآخر بالاعتماد عليه كسند لك، فالاحتواء كالوعاء الكبير الذي يستوعب أي شيء يوضع داخله، وهي عملية متوازية وتبادلية في القدرة على رعاية الطرف الآخر مشاعرياً ونفسياً

 

فالاحتواء ليس حضوراً وتلامساً جسدياً فقط بأن تحتضن الشخص بمعنى سطحي. أن تحتويني بمعنى أن أكتفي بك، تماماً كالماء الذي داخل الوعاء، يأخذ شكله عندما يحتويه ويحافظ عليه من التسرب وحينها يستقر ويصبح الوعاء وما في داخله كياناً واحداً. هو شعور أكثر منه كتصرف، هو مجموعة مواقف في حياتنا بمثابة تعبير عن كم الاهتمام والثقة والحب للطرف الآخر والتي تقود في النهاية إلى حالة من الطمأنينة.

 

“أن تحتوي المرأة الرجل بمعنى أن تغمره عاطفياً، أن تتفهم طبيعته أن تخفف عنه ثقل الحياة … بينما الرجل يحتوي المرأة بأن يقدر مشاعرها ويتقبلها ويستوعبها.”

 

فالاحتواء يشمل جميع جوانب الحياة المادية والمعنوية والنفسية والجسدية والاجتماعية والمهنية أيضاً، أحيانا قد تحتوي أحدهم من خلال سؤالك عنه بين الحين والآخر، وقد يكون من خلال الاستماع له فقط او مشاركته لحظات يحبها.

 

المواساة احتواء ومشاركة المشاعر احتواء …!

 

لذلك هذه الكلمة غمرتني في الكثير من الأسئلة بعمق معناها… بكل تأكيد من يستطيع احتوائي هو الشخص القادر على استيعابي وفهم احتياجاتي دون الحاجة لأن انطقها، من يقبلني لذاتي بعيداً عن الأحكام والتوقعات والشروط، من يحيطني بالطمأنينة لأزداد نمواً ونوراً.

 

ربّما ينجح البعض باحتواء ذاتهم أيضاً، في حال كنت متصالحاً مع نفسك وتفهم جيداً احتياجاتك فأنت تستطيع ان تحتوي ذاتك عندما يكون الطرف الآخر كالغربال الذي لا يقوى على حمل الماء، مهما وضعت به يتسرب، فتقرر أن تتجه إلى الداخل وتحتضن ذاتك برغم الطبيعة البشرية التي تدفعنا إلى مشاركة هذه الحياة مع أشخاص آخرين. فمشاركة الحياة مع الآخر مرتبطة بجودة الوقت الذي تقضيانه معاً وليس بالوقت الذي تقضيانه كيفما كان، إذا لم يكن هذا الوقت هو ما يصنع المشاعر والأمان والطمأنينة فهو وقت رديئ، من الأفضل أن تقضيه بدون من يؤثر على صحتك الذهنية أو يجعلك في موضع التشكيك في قيمتك الحقيقية.

 

من حقك الطبيعي أن يتم اختيارك بالكامل وليس أن ربّما يتم اختيارك، من حقك أن تشعر بالحب وتعيشه بشكل كامل حتى لو مع ذاتك، وليس أن تشعر أنك ربما من الممكن أن تُحبْ