الحرية مسار حياة

فعلياً أنت حر ولكن!!

الحرية بالنسبة لمعظمنا تعني الإستقلال عن عمليات المجتمع والضغوطات التي يغرسها ويمارسها. الحرية هي حالة إدراك المرء لمكانه ومكانته في العالم، وتحمّل المسؤولية عنهما وتحديد أفضل طريقة للتصرف بنفسه في رحلة السعي من أجل الأصالة. إنّ الحرية موجودة على أكثر من مستوى فنحن خُلقنا أحراراً في هذا الكون لكنّنا تَقولبنا وتقسّمنا عقائدياً وفكرياً وإقليمياً.

على الرغم أنّ المجتمع يمكنّنا من ترتيب تصوراتنا، ويسمح لنا بفهم العالم بأسره إلا أنّه يقوم بتشكيل عملياتنا الأساسية للتفكير والتواصل والتفاعل من خلال المجتمع ذاته وضوابطه السّلوكية التي يفرضها، فقد قام بحصرنا في خطوط وهمية رُسمت بأيدي تُناقض طبيعة النفس البشرية وأصبحنا أتباعاً للنظام المفروض في إطار تلك الخطوط بعد أن فُرض علينا نمط تفكير معين. إنّ من البديهيات أنّه لا يُمكن للإنسان أن يُوجَد بدون المجتمع، وأنّه بدونه سيتوقف عن كونه إنسانًا، ومع ذلك، حتى مع ارتباط وتشابك المجتمع بشدة معنا كأفراد، فإننا ندرك أنّ الحرية هي خروجٌ عن هذه الروابط  والتشابكات.

من هنا بدأت رحلة الحرية والدفاع عنها والدفاع عن حقوق الإختيار، غير متغافلين عن كوننا فعلياً ومهما تحررنا بإطارنا الصغير هناك إطار أكبر يقيدنا بشكل أو بآخر، فإذا تخيلنا صورة فرد يقع في وسط مجموعة من الدوائر متحدة المركز، كل منها يمثل نظامًا للرقابة الاجتماعية، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل قليلاً أن موقع الفرد في مجتمع ما يعني تحديد مكانه فيما يتعلق بالعديد من القوى التي تُقيّد وتُفرض على المرء، فنحن نملك حريةً مقيدة، كحرية التفكير والتعبير في إطار وسقف معين وحرية اختيار السكن ضمن ضوابط وإطار محدد أيضاً وقد يسمح لك بالزواج وتكوين عائلة لكن تحت شروط وضوابط معينة وهناك خيارات مسبقة لما سوف تدرس وتتعلم، خط دراسة مكتوب وممنهج حيث يحق لنا الإختيار في قالب معين لنفكر ونبدع حسب ما هو منصوص. لا يسمح لك بالتفكير والإبداع خارج ذلك الإطار وليس بإمكانك البدء بالتحليل، ففي حال أنك وصلت إلى ذلك المستوى سيتم تجريدك من كل تلك الحريات والتي هي أساساً مقيدة كما تم ذكره سابقاً. هكذا تم قولبة العالم على هذه الأرض، فهل نحن فعلاً أحرار؟!

من الواضح  أن إملاءات المجتمع في الوعي الإنساني تمتد إلى حد لا يمكن التعرف عليه؛ ولكننا عندما نكون قادرين على فهم القوى الخفية التي تؤثر علينا، فإننا نختبر نوعاً جديداً من الوعي الذاتي، حيث يبدأ الفرد في عملية الوصول إلى الحرية. هذا الوعي بأن الحرية لا تلغي التفاعل الاجتماعي أو الوعي الاجتماعي أو التبعية الاجتماعية. إنه يستلزم فقط نوعاً من الإدراك المرهف، ومعرفة حقيقة أننا نتاج عضويتنا في المجتمع بمعنى شبه كامل، ومعرفة أنه يمكننا السعي بنشاط نحو الحرية، وأننا نتحمل المسؤولية عن أنفسنا وكيف نواصل التقدم ضمن اختياراتنا للعيش والحياة. فأنت عندما تستيقظ كل صباح ساعياً خلف أهدافك والتي هي جزء من نظام تلك البُقعة على الأرض والتي تنتمي إلى إقليم معين في قارة ممنهجة فكرياً من قبل نظام عالمي  يُحَكّم علينا بدوره اتباع نمطيته الفكرية ونماذجها واستحقاقاتها الاقتصادية والإجتماعية، فنحن ندرك أننا لسنا أحرار فعلاً.

في الحقيقة نحن أحرار مقيدون ومكبلون لكننا نمتلك إرادة حرة وننادي بالحرية ونرفع شعاراتها رغم الإطار الكبير الذي يلاحقنا دائماً. ومن المفارقات، أن نفس النظام المسؤول عن القوى العديدة التي تعمل على تقييدنا وإكراهنا قد أعطانا أيضاً الأدوات التي نحتاجها لرفض هذه القوى أو التخفيف من آثارها علينا، فعندما ننتقل إلى التفكير الذاتي ونبدأ في إدراك المكان الداخلي الذي أثر فيه المجتمع ويستمر في التأثير على حياتنا، نبدأ في معرفة أين تنتهي سلطته علينا. تنتهي إملاءات المجتمع في الوعي البشري حين نكون قادرين على التفكير في أنفسنا الداخلية، والتعرف على ما تمليه عليها التأثيرات الخارجية. هذا الوعي بالذات الذي قد نطوره كأفراد في تحرير أنفسنا هو أرض محرمة افتراضية. إنها المساحة الموجودة بين التمسك الأعمى اللاعقلاني بالقوى الخفية والحرية الحقيقية المطلقة. إن التعرف على التأثيرات التي يمتلكها المجتمع على الفرد يعني أيضاً التعرف على جزء من تكوين المجتمع وصيرورته وتحولاته بعيداً عن تناوله المباشر. عندما يقوم الفرد بذلك، يصبح مدركاً لموقع نفسه، لمكانه ومكانته، لكن هذا لا يعني أنه اكتسب الحرية بالفعل.

لكن من الأفضل أن نكون أحراراً مقيدين على أن نكون عبيداً بلا إرادة واتباعاً فقط لما يملى علينا، فنحن نرسم طريقنا ولا نترك قرار اتخاذه لأحد غيرنا.

أنت حر وتملك الشعور بالحرية وتبني مملكتك الخاصة بناءاً على ذلك، نشعر بالحرية عندما نختار ما يناسبنا خلال مسيرة حياتنا، نختار من منطلق الشغف الذي يدفعنا إلى حرية الإختيار لنكوّن أنفسنا ونبني هذه الشخصية المستقلة كبصمة لنا على هذه الأرض، ونختار رفيق الدرب في مسار حياتنا ونرسم من خلال ما نشعر طرقاً وأحلاماً تأخذنا بلا وعي منا إلى حيث نريد ميسرةً لنا أفضل الاحتمالات.

ولكن على الجانب الآخر، هنالك أُناس لا يمتلكون هذا الشعور ككل، فالحرية بالنسبة لهم مكتوبة ومصفوفة وهم عبيداً واتباعاً لغيرهم حتى في أبسط الأمور. عندما نفقد حق الحرية حتى باختيار ما سنتعلم ويفرض عليك طريقاً لا تحلم به وتعيش في قالب لا يناسبك، كبيرٌ جداً أو ربما ضيّق ٌحد الإختناق، ومنها يتفاقم الأمر إلى من ستختار رفيقاً لدربك وهذا الإطار الذي ستتشكل عليه حياتك بعد ذلك فستجد دائماً من له سلطة أعلى منك ليقرر عنك فتصبح عبداً لأفكار غيرك، بدأت من عائلة صغيرة لتتشكل بنظامٍ عالمي تنصاع له بلا جرأة على التفكير.

لا حرية بلا خَيار! من هذا المنطلق تمت المناداة بالحرية لتختار ما تريد أنت، لتمنح نفسك الشعور بالحرية، هذا الشعور الذي ينبع من داخل إنسان واثق من نفسه ويعرف جيداً كيف يميز بين ما فُرض عليه وما يريده هو فعلياً.

مهما تم وضع إطارات مقيدة للحرية لكنك تملك الإرادة والإصرار على ما تريد، تذكر دائماً أنك أنت من تُسيّر خط حياتك.