ان الاستمرار بالتقدم على درجات الوعي خلال رحلتنا في الحياة وتجاربنا فيها كفيل بأن يخلق للفرد حالة من النقاء، حالة تشبه تلك التي يتم فيها ايجاد الجوهرة في الحجر الصلب، حيث تقوم خبرتنا في الحياة بتكسير تلك الأجزاء التي تحجب عنا قيمتنا الحقيقية والتخلص منها لتتجلى طبيعتنا النقية، يصقلها إحساسنا بالامتلاء والنعمة والسماح والقبول. عندها تتجلى رسالتنا في هذا الكون ويبدأ العطاء في البزوغ في حياتنا.
يأتي العطاء من شعور عميق بداخلنا يود مشاركة ما لدينا مع الآخر حيث يخلق فعل العطاء الحقيقي إحساساً بالتلقي والمنح في نفس اللحظة وشعوراً بالوفرة والامتلاء والاكتفاء لكلا الشخصين لحظة فعل العطاء، فنحن لسنا منفصلين على الرغم أن حواسنا تخبرنا بذلك على مستوى الجسد والمسافة، نحن متصلون في هذا الكون بموجوداته ونتفاعل معه كما لو أننا ننظر إلى مرايا تعكس ما في داخلنا مما يخلق ذلك الإحساس الفريد بالتلقي والمنح عندما نعطي، فهي معادلة متوازنة من المشاعر السامية.
يخلط البعض بين العطاء والتضحية بيد أن العطاء ليس تضحية كما يشاع عنه. شتان بين قوة العطاء وضعف التضحية. لا يدرك الكثيرون أن التضحية هي فعل من أفعال الأنا السفلى (الإيغو)، تلك التي ترى العالم وتفسره من خلال الانفصال عنه حيث هناك شعور دائم بالنقص وعدم الاكتفاء والخوف وهذا ما يدفع للتضحية.
قد يبدو الأمر متناقضاً في البداية، لكن ما يحدث هو أنه لتعويض هذا الإحساس بعدم الكفاية والامتلاء يتحرك (الأنا) ليجعلنا نعطي لتعويض هذا الجزء الفارغ، الجزء الذي لا يشعر أنه مكتمل ويشعر بأنه بحاجة لتقديم المزيد مصحوباً بشعور عدم الراحة. فالتضحية فعل ضعف لأنها لا تخلق إحساساً بالتلقي والمنح، هي تخلق إحساساً بالأخذ، عندما تضحي فأنت تقوم بأخذ ما تعتقد أنه يسد عدم الاكتمال لديك من الآخرين مدفوعاً بالإحساس بالنقص والخوف من الفقد وحاجتك الملحة لملء الأجزاء الفارغة في الداخل غير مدرك أنك تقوم بالتضحية بالآخرين أيضاً، لأن هذه الحلقة لا تنتهي وتستدعي شعوراً بالاستنزاف ينتهي الى السخط والاستياء من ذاتك ومن الآخرين أيضاً.
بينما على الجانب الآخر فإن العطاء هو عمل من أعمال الروح النقية، فالعطاء فعل نابع من إحساسنا بالامتلاء والاكتمال والوفرة، فأنت تعطي لأنك تشعر بأن لديك المزيد مما تود مشاركته مع الآخرين. هو أمر ينبع من داخلك الممتلئ الذي يفيض بالنعمة ويخلق لديك ذلك الشعور الإيجابي بالتلقي والمنح والامتنان عندما تعطي وليس شعور الأخذ والعوز المتجذر في السلبية.
كما ويربط البعض مسمى الأنانية بالعطاء، حيث يعطي الفرد خوفاً من نظرة المجتمع له على أنه شخص أناني ويحب ذاته، وهنا يأتي التناقض ايضاً بين المفاهيم حيث نتأثر كثيراً بالمجتمع والبيئة المحيطة بنا والمسميات والبرمجيات التي ينشأ عليها الفرد، إن الأنانية حالة من الجشع في حب الذات لا ترتكز على أي من عوامل الصحة النفسية، تحدث من خلال خلل في التوازن الذي يتوجب معالجته، أما من يحب ذاته ويسعى إلى أهدافه في الحياة التي يحبها ومستمر بمسار قد لا يتماشى مع أفكارنا ومعتقداتنا ومن الممكن أن يتعارض مع مصالحنا فهو إنسان صادق مع ذاته يسعى إلى التطور والتقدم دائماً وبعيد كل البعد عن ما يسمى بالأنانية.
لك كل الحق أن تحب ذاتك وتسعى إلى التطوير دائماً، لا تتوقف هنا. كن أنت كما تحب أن تكون، واجعل من العطاء والامتنان عنوان لحياتك ليستمر اتصالنا في هذا الكون في خط حياة جديد.