السلام الداخلي والمصدر

يتردد على مسامعنا الكثير من الكلمات كالسلام الداخلي والتفكير الإيجابي والنضج، فما هي حقيقة هذه المفاهيم؟ وما تأثيرها الفعلي على مجرى حياتنا؟ وكيف نصل إليها؟

يشير السلام الداخلي إلى التنظيم الذاتي والقدرة على تحقيق حالة من الطمأنينة والهدوء العقلي والروحي، مع ما يكفي من المعرفة والفهم لإبقاء الفرد قوياً في مواجهة الإجهاد، ذلك الإجهاد الذي يفرضه إيقاع الحياة الذي أصبح يحمل الكثير من جداول العمل المضغوطة والإفراط في التفكير والعواطف السلبية وربما العنيفة لدى الكثير من شرائح المجتمع وخصوصاً الشباب.

خارطة طريق لكل شخص!

إن حالة التخبط  وخلل التوازن تستدعي  التفكير وأن يتساءل المرء في نفسه عن ماهية الذي يعانيه، والأسباب الكامنة وراءه والمحركة له، تشكل هذه  التساؤلات أول الخيط الذي نمسك به في رحلة البحث عن الذات، ويبدأ الشخص بمراقبة تصرفاته وانفعالاته وأفكاره، من هنا يبدأ منسوب الوعي بالإرتفاع تدريجياً حيث لا يتوقف عن الاستكشاف إلى أن يصل إلى السلام الداخلي.

قد يجادل شخص ما إنه من السهل  تناقل الكلمات والأفكار وتبادلها، بيد أن تطبيقها هو الأمر الذي يحتاج إلى المصادر والجهد لنجعلها تتجلى في هذا الكون، ناهيك عن صعوبة تبسيط وهضم الكثير من المفاهيم المتفلتة والعصية على الفهم، فما الجديد في هذا الموضوع تحديداً؟

يبدو هذا التساؤل مشروعاً في ظل الجمود والتعقيد للمقاربات المطروحة لهذه المفاهيم، بيد أنني أحمل معنى ومقاربةً مختلفة عن السلام الداخلي حيث أطرحه من زاوية الشعور، متجنبة ذلك الطرح والفهم الحرفي الجامد الذي يتداوله الجميع وغالباً لا تتم ترجمته لتسهيل ذلك المفهوم المعقد والبسيط في آن واحد. إن الطرح الذي أقدمه يتكئ على  التركيز أكثر على المشاعر بعملية تشبه البرمجة تترابط فيها مفردات الوعي ومسارات النضج والفهم  على ذات الطريق، منبثقةً من مصدر واحد هو أنت، بكامل تكوينك الداخلي والخارجي، حيث الأساس يكمن من الداخل ليتجلى الجمال الخارجي في حياتك، إن السلام يتجسد بداخلنا جميعاً، ما عليك الا ان تلقي بضوء بصيرتك لتنيره، ليظهر على السطح، ليرافقك في كل خطواتك.

إن السلام الداخلي هو المفتاح للتجلي لتلون حياتك بيدك وأدواتك وتعيشها بطريقتك، ينير دربك، ويفتح الآفاق، وتحقق المراد مع قوة التوكل. ذلك الشعور الذي يحملك إلى  الأعلى لتعيش في عالمٍ مختلف، تحيط نفسك بهالة من الطمأنينة وراحة البال حيث يتواجد التوازن في حياتك، فلا تكترث كثيراً لمعوقات الحياة لكنك لست لامبالياً وتعرف جيداً كيف تمسك تلك العصا من المنتصف. ستقلق قليلاً لكن الطمأنينة التي في داخلك تجعلك توقن حتماً أن كل شيء سيكون على ما يرام. تمضي سعيداً، على الرغم من السحب السوداء من فوقك، فأنت المتحكم الوحيد بأفكارك وتصرفاتك ولا تسمح لأي غيمة ان تعكر صفو حياتك.

أي سلام تمنح نفسك الآن؟

أنت من تملك المفتاح لسلامك الداخلي وأنت فقط من يمكنه تعريفه من زاويتك أنت، فهو ليس بالقانون الذي عليك أن تتبعه، هو حالة تعم حياتك طوال الوقت، فالسلام الداخلي ليس شعوراً مؤقتاً او لحظات تستحضرها عندما تمر بأزمة ما، فقط امنح نفسك بعضاً من الوقت لتتأمل حياتك ومجرياتها واربط بين كل أحداث حياتك وكل ما يحدث ويدور بداخلك وحلل عالمك الداخلي، حتماً ستحتاج  الى الكثير من الهدوء والتركيز حسب معطيات حياتك، فكل حدث يمر بك له جذر في داخلك وعليك أن تكون مستيقظاً لما يحدث لك، فلا مكان للصدف في هذا الكون، إن تركيزك سيفتح لك الآفاق لتصل إلى معادلة السلام الخاصة بك.

لن تخلو حياتك من المعوقات لكن بوعي وذكاء عاطفي مرتفع ستعرف خطواتك جيداً وتصبح انت المتحكم بالظروف وليس العكس، ستكون المسيطر في لعبة الحياة. “انتبه لخطواتك جيداً”.