يحدث أن يختل توازنك النفسي والمعادلة التي تضبطه، قد تشعر بوعكة صحية أو توتر عام او أنك تفقد شهيتك للإقبال على الحياة، وقد يصل البعض إلى حدود الانهيار، فتبدأ بالبحث عن الأسباب التي أدت الى تلك الأعراض، فتكثر التفسيرات حول مزاج سيء أو حدث عابر وما إلى ذلك من الأمور السطحية التي تحدث لنا في معظم أيامنا فتحاول معالجة أسباب الخلل إن أدركتها، بينما حقيقة لا يدرك البعض أنه في حالة عدم توازن.
إن الحقيقة الكامنة خلف اختلال التوازن هي عدم قدرتنا على احتواء جميع مجالات الحياة بضبط هذه المعادلة، فمهما حاولنا يبقى هناك عامل من العوامل المتواري في الخلف والذي سيفقدنا التوازن من جديد فور استحضاره وهذا ناتج عن ترتيب الأولويات في حياتنا بما نعتقد أنه يحقق لنا التقدم حيث نُظهر على السطح كل ما يهمنا لحياتنا اليومية ونخفي خلفنا مئات الأحداث، وما أن تفيض بنا الحياة حتى نبدأ بلا وعي باستحضار الملفات المختبئة في مكان ما بداخلنا، فيبدأ الإختلال، فعلى سبيل المثال في صحتنا، نشعر بوعكة صحية أو صداع متكرر وما إلى ذلك من مسببات عرضية لحظية التي قد تستمر معنا لعدة أيام، فإما أن نجد حلاً لها أو أننا نخبئها من جديد ببعضٍ من المسكنات اليومية لنكمل حياتنا بنفس التيار والمسار متجاهلين تلك الإشارات والتنبيهات التي تبعثها أجسادنا، حيث ينبع ذلك من ضحالة مستوى الوعي وعدم إلمامنا بشكل كافٍ بوجود أسباب خلف أي حدَثٍ في حياتنا.
أين نبحث؟
إن كل شيء يبدأ من الداخل عبارة أكررها دائماً، لأنها هي المفتاح والإجابة عن الكثير من الأسئلة التي تواجهنا في الحياة.
فإن بحثنا عن ما يكمن خلف الوعكة الصحية مثلا”، فلنبحث في العمق داخل أنفسنا، ما هو السبب خلف ذلك الدوار والصداع؟ إنه عالمك الداخلي، فهو يريد إيقاظك من جديد عبر تلك التنبيهات والأعراض، ليخبرك أن تلك التراكمات المدفونة مزعجة جداً فهي ظاهرة حد الوضوح في حياتك وإن كنت تخبئها خلف الستار، فمهما كانت قدرتنا على طمر مشاعرنا اتجاه أفكارنا وكبتها فهي بشكل أو بآخر ستطفو على السطح من خلال ردات أفعالنا اتجاه الأحداث، لذلك علينا التخلص من مشاعرنا الدفينة وأفكارنا المطمورة وتنظيفها من عمق اللاوعي المسيطر على مسيرتنا.
يمكننا القول أن عملية التنظيف هذه هي أول الطريق للتوازن، هنالك العديد من الطرق لتنظيف ما علق بدواخلنا سواء من الماضي حيث الطفولة أو من الحاضر لما يمر بنا من أحداث حول العالم بشكل يومي، فكلما تحدثنا عن تجاربنا واعترفنا بكل المشاعر المرتبطة بها ما ظهر منها وما توارى خلف الأحداث، وتقبلنا هذه المشاعر كلما تم تنظيف كل المشاعر المكبوته، كن صادقاً مع نفسك اولاً وتحدث مع نفسك جيداً وأكتب كل ما يجول بخاطرك حول ذلك الحدث وتحديداً مشاعرك اتجاهه، ثم ابدأ بتقبل هذه المشاعر واخلق سيناريو جديد للحدث بشعور مختلف حيث تبدأ بالتخلي عن كل المشاعر المرتبطة بهذا الحدث وتُحقق السماح بالرحيل لتلك المشاعر المزعجة والسلبية منها.
لا يخفى عل الجميع أن الخلل في المنظومة البشرية نتيجة انعدام التوازن يقود إلى العديد من المشاكل والصراعات في العمل، في العلاقات والصحة والكثير من الأمور التي تحدث عن طريق الأفكار والقرارات غير المتزنه التي تؤدي بنا إلى طرق غير مرغوب بها وتودي بنا إلى دوامة في البحث عن الحلول، على الرغم من أننا نملك القدرة على تفادي هذه المعضلة من البداية من خلال معرفة الذات وتحديد نقاط القوة والضعف ومعرفة النفس التي تتكون من طاقة الذكورة والانوثة التي تشكل إحداثيات التوازن في حياتنا.
إن القدرة على التعامل مع تجارب الحياة بهذا الذكاء النابع من وعي لمجريات حياتنا والقدرة على التعامل مع الأحداث السلبية إن صحّ وصفها – حيث مشاعرنا هي المحدد لمسميات الأحداث إن كانت سلبية أو إيجابية – هي الوصفة السحرية لنشعر بالتوازن، حيث تكون أنت المتحكم الوحيد بمعالجة أفكارك كما وأنك تعرف جيداً طبيعة ونوع المعلومات والأفكار التي ستسمح لها بالدخول إلى عالمك.
لن نصل إلى المثالية في التوازن لكنه أسلوب حياة فكري مشاعري واعي يبقيك مستيقظاً ومدركاً عند أول اختبار تمر به في الحياة، حيث نُختبر بكل ما نؤمن به ونمر باختبارات عديدة ونقف كثيراً عند قرارات مصيرية، علينا أن نكون على أتم الإستعداد النفسي لها.
إن كل شيء في عالمك متصل ببعضه، انتبه لنفسك جيداً، لا يوجد أحداث عابرة، وكل شيء له أصل وجذر وسبب.
اعتنِ بروحك.. وإليك السلام.