عالم الكتابة

لعلنا نتساءل أحياناً لماذا نكتب، لماذا علينا أن نكتب وما هو عالم الكتابة؟

قد يجد البعض أَنَّ الكتابةَ أمرٌ في غاية الصعوبة، يحتاجُ  الكثيرَ من المفردات وجهداً  للتعبير و إفصاحاً عن مشاعر وما إلى ذلك من عقبات لنكتب سطراً واحداً وربما فقرة، ولكن في الواقع ليس هذا هو الحال! فمنذ أن بدأ الإنسان في التعبير عمّا يعتريه من مشاعر وأفكار، لجأ إلى الكتابة بشكل فطري، وذلك من خلال الرسوم التعبيرية والرموز والإشارات التي نقشها على الصخور وجدران الكهوف، فالكتابة رغبة غريزية لدى الإنسان بأن يخلّد تجاربه وأفكاره وخبراته بما هو متاحٌ لديه من إمكانات، وبالأسلوب الذي يستطيع معه الآخر أن يفهم تلك الخبرة عند الإطّلاع عليها مكتوبة.

تطورت الكتابة وأساليبها مع الزمن، وانتقلت من مرحلة الغاية التوثيقية إلى مرحلة الغاية التواصلية التفاعلية، فأصبحت الكتابة تكمن في مجموعة أفكار تتكون لدينا عن موضوع معين ويتم تجميع هذه الأفكار بشكل متسلسل وطرحها للقراء للاستفادة منها وقد تتم مناقشتها ان كانت مواضيع وافكار جدلية، وقد تختلف طرق طرح هذه الأفكار سواء من خلال كتب او مقالات او قصص وروايات، لكن جميعها تنبع من رغبة الانسان الداخلية على توثيق تلك الافكار واللحظات والتجارب.

إن عملية تحويل الأفكار إلى كلمات بسلاسة لإيصال معلومة ما، ليست بالأمر المتوفر لدى الجميع، فلدى كلٍ منا أسلوبٌ وطريقة تعبير تختلف عن الآخر، قد نعبر بالكلام الشفوي ولا نستطيع أن نكتبه وقد نكتب ولا نستطيع أن نعبر بالكلام، هي قدرات مختلفة من شخص لآخر لكنها تصب في نفس الحاجة الملحة لدى الإنسان للتعبير والتوثيق والتواصل منذ الخَلق والتكوين.

من الجدير بالملاحظة هو اختلافُ الكتابةُ عن باقي وسائل التعبير، فهي وسيلةٌ  مقاومةٌ للنسيان، الكتابةٌ هي القبضُ على اللحظة الراهنة التي تتشكل فيها المعاني والأفكار في ذهن الكاتب، وتوثيقها، لتعودَ هذه اللحظة إلى الحياة كلّما قرأَها شخص ما حتى لو بعد مئات السنين، تعود هذه اللحظة إلى الحياة مرةً أخرى دون تحريفٍ أو حذفٍ لتحاورَ القارئ مرةً أخرى وتصبحَ إحدى مكونات وعيهِ وخبرته، وقد نكتب لأنفسنا أيضاً، فنكتب لننضج اكثر مع سطورنا ونتعلم من أخطاءنا وندون تجاربنا ونفهم ذواتنا بشكل أفضل.

إنّه من الواضحِ أنّ الكتابة من أهم الأمور لاستمرار الثقافة والتراث حياً تتناقله الأجيال، فكم من لغةٍ وثقافةٍ اندثرت لإنها لم تكن مكتوبة فاختفت كنوز معارفها وطواها النسيان، لذلك تنبعُ أهمية التركيز على الكتابة باللغة العربية وإثراء العالم بنصوصها وجمال تعابيرها، فهي لغةٌ فضلاً عن أنّها من أجمل اللغات في التعبير فهي ايضاً حافظةٌ لتاريخ الأمة العربية وتراثها الغني في تفاعلها مع مختلف الحضارات والثقافات وكفيلةٌ بنهضةِ الأمة واحياءها من جديد.

لذلك اكتب واستمر بالكتابة، اكتب وكأنك ستلقي كلمةً أمام هذا العالم، اكتب وكأنك ستخبر العالم بشيء عظيم

اكتب وكأنها أهم معلومة لديك تتوق لمشاركتها مع الآخرين، اكتب حتى ولو أن شخصاً واحداً سيقرأ ما تكتب،  أكتب لذاتك ولنفسك، فقط اكتب واستمر  وساهم في تدفّق الكلماتِ كالنهر الذي يصبُّ في اكبر بحار العالم.

تذكر دائماً أنَّ لحروفك طاقةٌ ولكلماتك أثر، وأنَّ ما يصدرُ عنكَ و منكَ سيصبُّ في في دائرة طاقة أحدهم ويوافقُ ذبذباتهِ .

أُكتبْ وأنتَ على يقينٍ أنّك ستلمسُ قلبَ أَحدِهم